سورة الحجر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{ادخلوها} على إرادة القول أمراً من الله تعالى لهم بالدخول، وقرئ: {أدخِلوها} أمراً منه تعالى للملائكة بإدخالهم، وقرأ الحسن: أُدخِلوها مبنياً للمفعول على صيغة الماضي من الإدخال {بِسَلامٍ} ملتبسين بسلام أي سالمين أو مسلَّماً عليكم {ءامِنِينَ} من الآفات والزوال.
{وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ} أي حقدٍ كان في الدنيا، وعن علي رضي الله تعالى عنه: أرجو أن أكونَ أنا وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ منهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين {إِخْوَانًا} حال من الضمير في قوله تعالى: {فِي جنات}، أو من فاعل ادخلوها، أو من الضمير في آمنين، أو الضمير المضاف إليه والعامل فيه معنى الإضافةِ، وكذلك قوله تعالى: {على سُرُرٍ متقابلين} ويجوز كونُهما صفتين لإخواناً أو حالين من ضميره، لأنه بمعنى متصافِّين، وكونُ الثاني حالاً من المستكنّ في الأول. وعن مجاهد: تدور بهم الأسرّةُ حيثما داروا فهم متقابلون في جميع أحوالهم.
{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب بألا يكونَ لهم فيها ما يوجبه من الكدّ في تحصيل ما لا بُدّ لهم منه، لحصول كل ما يريدونه من غير مزاولةِ عملٍ أصلاً، أو بأن لا يعتريَهم ذلك وإن باشروا الحركاتِ العنيفة لكمال قوتِهم، وهو استئنافٌ أو حالٌ بعد حال من الضمير في متقابلين {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} أبدَ الآباد لأن تمام النعمة بالخلود.
{نَبّىء عِبَادِى} وهم الذين عبر عنهم بالمتقين {أَنّى أَنَا الغفور الرحيم * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ العذاب الأليم} فذلكةٌ لما سلف من الوعد والوعيد وتقريرٌ له، وفي ذكر المغفرةِ إشعارٌ بأن ليس المرادُ بالمتقين مَن يتقي جميعَ الذنوب كبيرَها وصغيرَها، وفي وصف ذاتِه تعالى بها وبالرحمة على وجه القصر دون التعذيب إيذانٌ بأنهما مما يقتضيهما الذاتُ وأن العذاب إنما يتحقق بما يوجبه من خارج.
{وَنَبّئْهُمْ} عطفٌ على نبىءْ عبادي، والمقصود اعتبارُهم بما جرى على إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام مع أهله من البشرى في تضاعيف الخوفِ، وبما حل بقوم لوطٍ من العذاب ونجاتِه عليه الصلاة والسلام مع أهله التابعين له في ضمن الخوف، وتنبيهُهم بحلول انتقامِه تعالى من المجرمين وعلمُهم بأن عذاب الله هو العذاب الأليم {عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنهم جبريلُ عليه الصلاة والسلام وملكانِ معه وقال محمد بن كعبٍ: وسبعةٌ معه وقيل: جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ عليهم الصلاة والسلام وقال الضحاك: كانوا تسعةً وعن السدي: كانوا أحدَ عشرَ على صور الغلمان الوِضاءِ وجوهُهم وعن مقاتلٍ: أنهم كانوا اثنيْ عشَرَ ملَكاً وإنما لم يتعرض لعنوان رسالتِهم لأنهم لم يكونوا مرسَلين إلى إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام بل إلى قوم لوطٍ حسبما يأتي ذكرُه.


{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} نُصب بفعلٍ مضمر معطوفٍ على نبىء، أي واذكر وقت دخولِهم عليه، أو خبر مقدر مضاف إلى ضيف، أي خبر ضيف إبراهيمَ حين دخولهم عليه، أو بنفس ضيف على أنه مصدرٌ في الأصل {فَقَالُواْ} عند ذلك {سَلاَماً} أي نسلّم سلاماً أو سلّمنا أو سَلِمْتَ سلاماً.
{قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} أي خائفون، فإن الوجلَ اضطرابُ النفس لتوقع مكروهٍ، قاله عليه الصلاة والسلام حين امتنعوا من أكل ما قرّبه إليهم من العجل الحنيذ، لِما أن المعتاد عندهم أنه إذا نزل بهم ضيفٌ فلم يأكلْ من طعامهم ظنوا أنه لم يجىء بخير، لا عند ابتداء دخولهم لقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فلا مجال لكون خوفه عليه الصلاة والسلام بسبب دخولِهم بغير إذن ولا بغير وقت، إذ لو كان كذلك لأجابوا حينئذ بما أجابوا، ولم يتصدَّ عليه الصلاة والسلام لتقريب الطعام إليهم، وإنما لم يذكر هاهنا اكتفاءً بما بيّن في غير هذا الموضع، ألا يرى إلى أنه لم يُذكر هاهنا ردُّه عليه الصلاة والسلام لسلامهم.
{قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لا تخف، وقرئ: {لا تاجل}، {ولا تُوجِلْ} من أوجله أي أخافه، ولا تُواجِلْ من واجله بمعنى أوجله {إِنَّا نُبَشّرُكَ} استئنافٌ لتعليل النهي عن الوجل، فإن المبشَّر به لا يكاد يحوم حول ساحته خوفٌ ولا حزن، كيف لا وهو بشارةٌ ببقائه وبقاءِ أهله في عافية وسلامة زماناً طويلاً {بغلام} هو إسحاقُ عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {فبشرناها بإسحاق} ولم يتعرض هاهنا لبشارة يعقوبَ عليه الصلاة والسلام اكتفاءً بما ذكر في سورة هود {عَلِيمٌ} إذا بلغ، وفي موضع آخرَ بغلام حليم.
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى} بذلك {على أَن مَّسَّنِىَ الكبر} وأثر في تعجبه عليه الصلاة والسلام من بشارتهم بالولد في حالة مباينة للولادة، وزاد في ذلك فقال: {فَبِمَ تُبَشّرُونَ} أي بأي أعجوبةٍ تبشرونني، فإن البشارة بما لا يُتصور وقوعُه عادة بشارةٌ بغير شيء، أو بأي طريقةٍ تبشرونني، وقرئ بتشديد النون المكسورة على إدغام نون الجمع في نون الوقاية.
{قَالُواْ بشرناك بالحق} أي بما يكون لا محالة، أو باليقين الذي لا لَبْسَ فيه، أو بطريقة هي حقٌّ وهو أمرُ الله تعالى، وقوله: {فَلاَ تَكُن مّنَ القانطين} من الآيسين من ذلك، فإن الله قادر على أن يخلق بشراً بغير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ وعجوز عاقر، وقرئ: {من القَنِطين}، وكان مقصِدُه عليه الصلاة والسلام استعظامَ نعمتِه تعالى عليه في ضمن التعجب العادي المبنيِّ على سنة الله تعالى المسلوكةِ فيما بين عباده، لا استبعادَ ذلك بالنسبة إلى قدرته سبحانه كما ينبىء عنه قولُ الملائكة: فلا تكن من القانطين، دون أن يقولوا: من الممترين أو نحوه.


{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ} استفهامٌ إنكاريٌّ أي لا يقنط {مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضآلون} المخطِئون طريقَ المعرفة والصوابِ، فلا يعرِفون سعةَ رحمتِه وكمالَ علمه وقدرتِه كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: {لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} ومرادُه نفيُ القنوط عن نفسه على أبلغ وجهٍ، أي ليس بي قنوطٌ من رحمته تعالى، وإنما الذي أقول لبيان منافاةِ حالي لفيضان تلك النعمةِ الجليلة عليّ، وفي التعرض لوصف الربوبيةِ والرحمةِ ما لا يخفى من الجزالة، وقرئ بضم النون، وبكسرها من قنَط بالفتح ولم تكن هذه المفاوضةُ من الملائكة مع إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام خاصة، بل مع سارَةَ أيضاً حسبما شُرح في سورة هود، ولم يُذكر ذلك هاهنا اكتفاءً بما ذكر هناك كما أنه لم يُذكر هذه هناك اكتفاء بما ذكر هاهنا.
{قَالَ} أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتوسيطُه بين قوله السابقِ وبين قوله: {فَمَا خَطْبُكُمْ} أي أمرُكم وشأنكم الخطيرُ الذي لأجله أُرسلتم سوى البشارةِ {أَيُّهَا المرسلون} صريحٌ في أن بينهما مقالةً مطويةً لهم أشير به إلى مكانها كما في قوله تعالى: {قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَءيْتَكَ هذا الذى كَرَّمْتَ عَلَىَّ} الآية، فإن قوله الأخيرَ ليس موصولاً بقوله الأول، بل هو مبنيٌّ على قوله تعالى: {فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} فإن توسيطَ قال بين قوليه للإيذان بعدم اتصالِ الثاني بالأول وعدم ابتنائِه عليه بل على غيره، ثم خطابُه لهم عليهم الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ بعد ما كان خطابُه السابقُ مجرداً عن ذلك مع تصديره بالفاء، دليلٌ على أن مقالتهم المطويةَ كانت متضمنةً لبيان أن مجيئَهم ليس لمجرد البشارةِ، بل لهم شأنٌ آخَرُ لأجله أُرسلوا فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: وإن لم يكن شأنُكم مجردَ البشارة فماذا هو؟ فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمَه عليه الصلاة والسلام بأن كلَّ المقصود ليس البشارةَ بسبب أنهم كانوا ذوي عدد، والبِشارةُ لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتُفي بالواحد في زكريا عليه الصلاة والسلام ومريم، ولا إلى أنهم بشروه في تضاعيف الحالِ لإزالة الوجل ولو كانت تمامَ المقصود لابتدأوا بها فتأمل.
{قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} هو قومُ لوط، وُصفوا بالإجرام وجيء بهم بطريق التنكيرِ ذمًّا لهم واستهانةً بهم.
{إِلا ءالَ لُوطٍ} استثناءٌ متصلٌ من الضمير في مجرمين، أي إلى قوم أَجرموا جميعاً إلا آلَ لوط، فالقومُ والإرسالُ شاملان للمجرمين وغيرِهم، والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرَم كلُّهم إلا آلَ لوط لنُهلِك الأولين وننجِّيَ الآخرين، ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} أي لوطاً وآلَه {أَجْمَعِينَ} أي مما يصيب القومَ، فإنه استئنافٌ للإخبار بنجاتهم لعدم إجرامِهم، أو لبيان ما فُهم من الاستثناء من مطلق عدمِ شمولِ العذاب لهم، فإن ذلك قد يكون بكون حالهم بين بين، أو لتعليله، فإن مَنْ تعلّق بهم التنجيةُ بمنْجى من شمول العذاب.
أو منقطعٌ من قوم وقوله تعالى: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} متصلٌ بآلَ لوطٍ جارٍ مَجرى خبر لكنّ، وعلى هذا فقوله تعالى: {إِلاَّ امرأته} استثناءٌ من آلَ لوط أو من ضميرهم، وعلى الأول من الضمير خاصة لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يُجعل إنا لمنجوهم اعتراضاً، وقرئ بالتخفيف {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الباقين مع الكفرة لتُهلَك معهم، وقرئ: {قدَرْنا} بالتخفيف، وإنما عُلّق فعلُ التقدير مع اختصاص ذلك بأفعال القلوبِ لتضمُّنه معنى العلم، ويجوز حملُه على معنى قلنا لأنه بمعنى القضاء قولٌ وأصلُه جعلُ الشيء على مقدار غيرِه، وإسنادُهم له إلى أنفسهم وهو فعلَ الله سبحانه لِما لهم من الزلفى والاختصاص.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9